ترى الكاتبة عاطفة إكرام خان أنّ إسرائيل تخوض حربًا جديدة، لكنها بلا دخان ولا دماء على الأرض، بل على الشاشات وداخل خوارزميات التواصل الاجتماعي. وتعتبر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أدرك متأخرًا أنّ “ميدان المعركة الأهم الآن هو وسائل التواصل”، حين قال في اجتماع مع مؤثرين أمريكيين: “علينا أن نحارب بالأسلحة التي تناسب ساحات القتال الحديثة، وأهمها الإعلام الاجتماعي، وأهم صفقة الآن هي تيك توك”.
تشير الكاتبة إلى أن ما تعتبره واشنطن تهديدًا أمنيًا، تراه تل أبيب فرصة دعائية، إذ سارعت إلى الاستثمار في “تيك توك” بعد أن حاربت أمريكا وجوده. وتستشهد بتصريحات السيناتور ميت رومني الذي صرّح بأنّ المنصة أصبحت “مركزًا للأصوات الفلسطينية”، ما جعلها قضية “ذات أهمية حقيقية للرئيس”. بهذا الاعتراف غير المقصود، يفضح الساسة الأمريكيون منطق السيطرة المغلّف بشعارات “الأمن القومي”.
توضح الكاتبة أنّ النواب الجمهوريين كشفوا الهدف الحقيقي من حظر التطبيق، وهو إسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين. أحدهم قال إنّ طلاب الجامعات “يُحرّضون عبر تيك توك”، ما يكشف رغبة المؤسسة السياسية في احتكار السرد لا في حماية الناس. وهكذا، تحوّل “التهديد الأمني” إلى ذريعة للهيمنة على العقول.
تقول الكاتبة إنّ آلة الدعاية الإسرائيلية ـ المعروفة باسم “هاسبارا” ـ فشلت رغم امتلاكها أدوات ضخمة: شبكات إعلامية كبرى، مجموعات ضغط، مراكز أبحاث، حملات مدفوعة، وحتى وحدة عسكرية تُدعى “خلية الشرعية” لتبرير قتل الصحفيين. دفعت إسرائيل لمؤثرين سبعة آلاف دولار للمنشور الواحد، ووقّعت عقدًا مع “جوجل” بقيمة 45 مليون دولار لنشر دعايتها وتقليص ظهور المحتوى الفلسطيني. ومع ذلك، لم تنجح في تزييف الحقيقة.
فشلها ـ كما ترى الكاتبة ـ جاء لأنها نجحت في تعرية نفسها. فقد عرضت للعالم، لحظة بلحظة، ما تعنيه الوحشية حين تُمارس بوجه مكشوف: قصف المستشفيات، تجويع المدنيين، قلع الأسر من بيوتها، قتل الصحفيين والأطفال بلا محاسبة. صار العالم يشهد أول إبادة جماعية تُبث مباشرة، بينما يحاول مرتكبوها إنكارها في الوقت نفسه.
في الفقرة التالية، توضح الكاتبة أنّ ميدل إيست مونيتور يرى في هذا الانهيار السردي دليلاً على حقيقة أعمق: أن الحكومات وشركات التكنولوجيا الكبرى تتعاون للسيطرة على وعي البشر. فالخوارزميات ليست محايدة، بل تُصمَّم لخدمة القوة والمال. تقول الكاتبة إنّ “ for you page (صفحة من أجلك)” على تيك توك ليست من أجلك، بل من أجل طاعتك.
تصف الكاتبة المشروع الإسرائيلي بأنه مشروع لمحو الوعي، لا لحماية الأمن. فبينما تتظاهر تل أبيب بأنها تحارب “حماس”، تخلق في الواقع مجاعة في غزة وتحوّل حياة المدنيين إلى رماد. شعارها القديم “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” يكشف نية الإبادة لا السلام.
تلفت الكاتبة إلى أن الحقيقة قاومت هذا التزوير بفضل المقاومة الرقمية الفلسطينية. فوسط الانقطاع المتكرر والكوارث، استطاع الفلسطينيون توثيق معاناتهم ومشاركة روايتهم مع العالم. هكذا انقلبت أدوات السيطرة إلى منابر للحقيقة. فقد دفعت القصص الصغيرة الخارجة من تحت الأنقاض الناس في كل مكان إلى إعادة النظر في الرواية الإسرائيلية.
تذكر الكاتبة أن استطلاع مركز بيو الأميركي أظهر أن 59% من الأميركيين أصبحوا ينظرون سلبًا إلى حكومة إسرائيل، ارتفاعًا من 51% مطلع 2024. وتشير إلى قول الصحفي كريس هيدجز إنّ “الإبادة في غزة تنذر بعالم جديد، تصبح فيه إسرائيل والغرب منبوذين أخلاقيًا”.
تؤكد الكاتبة أنّ هذا التحول لا رجعة فيه: الشارع العالمي، والجامعات، وحركات التضامن، لم تعد تبتلع الرواية الرسمية. كل محاولات إسرائيل لشراء منصات جديدة ستفشل، لأن الناس شاهدوا الحقيقة، ومن شاهد لا يمكنه أن “يعيد إغلاق عينيه”.
وفي ختام المقال، تصف الكاتبة إسرائيل بأنها الدولة التي “تكره الحقيقة لأنها تقتل الأكاذيب”. ترفض التعايش مع الواقع وتختار دائمًا محوه. ومع كل قصف جديد، تكتب فصلًا آخر في فشلها الأخلاقي. فالكذبة لا يمكن أن تنتصر على الحقيقة مهما ضخّت أموالًا أو روّضت خوارزميات.
لكن المفارقة، كما تختم، أن هذا الفشل الدعائي هو أيضًا فشل إنساني. إذ تحوّل السؤال من “كيف تحسّن إسرائيل صورتها؟” إلى “لماذا تقتل الأطفال أصلًا؟”. وحين يصبح الجواب واضحًا، لا تنفع دعاية ولا خوارزمية في غسل الدم.
وهنا تكمن النتيجة التي تتجاوز المقال: أن الوعي العالمي بدأ يتحرر من سحر الخطاب المزيّف، وأن مقاومة السرد قد تصبح قريبًا الوجه الجديد للمقاومة نفسها.
https://www.middleeastmonitor.com/20251027-israel-is-losing-the-smokeless-battlefield/


 
						
											 
 
					     
 
					     
									 
									 
									